كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي بعض الأخبار: فلما فرغ من صلاته قال لي: «يا عائشة أتاكِ شيطانكِ؟»، قالوا: فلمسته عايشة وهو في الصلاة فمضى فيها.
ولأجل هذه الأخبار خصّ من ذكرنا مسّ الشهوة بنقض الوضوء. روى أبو روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يُقبّل بعض أزواجه ثم يصلّي ولا يتوضأ.
وأمّا الغسل وكيفية الملامسة على مذهب الشافعي فهو على ثلاثة أوجه: لمس ينقض الوضوء قولا واحدًا، ولمس لا ينقض الوضوء، ولمس مختلف فيه، فالذي ينقض الوضوء ملامسة الرجل المرأة الشابة (....) متعمدًا حية كانت أو ميتة، والذي لا ينقضه ملامسة الشعر والسنّ والظفر، والذي اختلف فيه هو أن يلمس فتاة صغيرة، أو امرأة كبيرة، أو واحدة من ذوات محارمه ممن لا يحلّ له نكاحها، (وفيه) قولان: أحدهما ينقض الوضوء لأنه لمس متعمد (....)، والثاني لا ينقض لانّه لا تدخل للشهوة فيهن، يدلّ عليه ما روي عن أبي قتادة السلمي الانصاري أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أُمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها وإذا قام رفعها. وهذا حكم الملامسة إذا لم يكن حائل، فأمّا إن كانت من دون حائل فإنها تنقض الطهارة سواء كان الحائل صفيقًا أو رقيقًا، هذا قول الجمهور.
وقال مالك: ينقضها إن كان رقيقًا ولا ينقضها إن كان صفيقًا، وقال الليث وربيعة: ينقضها سواء كان صفيقًا أو رقيقًا، والدليل على أنّها لا تنقض الوضوء إذا كانت من دون حائل ظاهر الآية {أَوْ لَامَسْتُمُ} فإذا لمسها مع الحائل فما لمسها وإنّما لمس الحائل، وعليه إنّه لو حلف ألاّ يلمسها ولمسها من وراء حائل لم يحنث.
فهذا كلّه حكم اللامس، وأما الملموس فهل ينتقض به طهره أم لا؟
فعلى قولين للشافعي:
أحدهما: أنّه ينتقض لاشتراكهما في الالتذاذ.
والثاني: لا ينتقض لخبر عائشة: «فوقعت يدي على أخمص قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم» والله أعلم.
قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}.
اعلم أنّ التيمّم من خصائص هذه الأُمة لما روى ربّعي بن خمّاش، عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فُضّلنا على الناس بثلاث: جُعلت صفوفنا كصفوف الملائكة، جُعلت الأرض لنا مسجدًا، وجُعلت تربتها لنا طهورًا إذا لم نجد الماء».
وأما بدء التيمّم فأخبر مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة، وهشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواء، حتى إذا كنّا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي وكنت استعرتها من أسماء، فصلّ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بالتماسه فالتُمس، فلم يوجد، فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم فباتوا ليلتهم تلك، وأقاموا على النجاسة وليسوا على ماء وليس عندهم ماء، فأتى الناس أبا بكر، فقالوا: ألا ترى إلى عائشة حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير ماء؟
فجاء أبو بكر، ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فعاتبني، وقال: ما شاء الله وقال: قبّحها الله من قلادة حبست الناس على غير ماء وقد حضرت الصلاة، ثم طعن بيده على خاصرتي فما منعني من التحريك إلاّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان واضعًا رأسه على فخذي، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله عزّ وجلّ آية التيمّم.
قالت: فبعثت البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته، فقال أُسيد بن حضير: ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر جزاكم الله خيرًا، فوالله ما نزل بكِ أمر قط تكرهينه إلاّ جُعل لكِ وللمسلمين فيه خيرٌ.
فأباح الله تعالى التيمّم لخمس شرائط:
أحدها: دخول وقت الصلاة، فلا يجوز التيمّم إلاّ بعد دخول وقت الصّلاة، وقد يجمع بالتيمم بين صلاتي فرض، هذا قول عليّ وابن عباس وابن حمزة ومذهب مالك والشافعي والليث بن سعد وأحمد بن حنبل، قالوا: لأنها طهارة ضرورة، فقسناها على المستحاضة، ولأنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فأينما أدركتكم الصّلاة فتيمّموا وصلّوا».
وروى أبو إسحاق عن الحريث عن عليَ رضى الله عنه قال: تيمّموا لكلِّ صلاة.
وروي ابن المهدي عن عاصم الأحول عن عمرو بن قيس قال: بل تتيمم لكلِّ صلاة وإن لم تحدث.
وذهبت طائفة إلى أنّ التيمم كالطهارة بالماء يجوز تقديمه على وقت الصلاة ويصلّي من الحدث الأكبر إلى الحدث لمسًا من الفرايض والنوافل، وهو قول سعيد بن المسيّب والحسن والثوري وأبي عبيدة واحتجوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الصّعيد الطيّب وضوء المسلم ولو لم يجد الماء عشر حجج».
والشرط الثاني من الشرايط المبيحة للتيمم: طلب الماء، وكيفيّة الطلب أن يطلبه في رحله فإنْ لم يجد طلب من أصحابه، فإنْ لم يجد عندهم طلبَ يمينًا وشمالا ووراء وأمام، فإن كان هناك تلّ صعد ونظر، فإنْ رأى إنسانًا قادمًا فليتعرّف منه، فإنْ تيمم قبل الطلب لم يصح عند أكثر الفقهاء.
وقال أبو حنيفة: طلب الماء ليس بشرط في جواز التيمم بل مستحب، فإن تيمم قبله أجزأه، لأنه لو كان شرطًا فيه لكان شرطًا في النافلة لعدم الماء، ولما كان التيمم للنافلة دون طلب الماء جاز أيضًا للفريضة دونه، دليلها قوله تعالى: {فلم تجدوا ماءًا فتيمموا صعيدًا طيبا}، ولا يقال: لم يجز إلاّ لمن طلب الماء، والدليل عليه أنّه لو وكّل وكيلا ليشتري له شيتًا فان لم يجد فخيّره فاشترى الشيء الثاني قبل طلبه الأول ضمن.
والشرط الثالث: إعوازه بعد طلبه، فأمّا إذا كان بينه وبين الماء حائل من لص أو عدو أو سبع أو جمل صائل أو نار ونحوها فهو عادم للماء، وكذلك إن كان عليه ضرر في إتيانه مثل أن يخاف على رحله إن غاب عنه، وكذلك إن كان الماء في بئر ولم يمكنه الوصول إليه.
والشرط الرابع: العذر من مرض أو سفر لقوله: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ}.
والمرض على ثلاثة أضرب: مرض لا يضرّ استعمال الماء معه، فلا يجوز التيمم معه، وضرب يخاف معه من استعمال الماء التلف فيجوز معه التيمم، وكذلك إن كان على قرحه دم يخاف إن غسله التلف تيمّمَ، وأعاد إذا قدر على غسل الدم، وضرب يخاف باستعماله الماء الزيادة في العلّة بطء البرء، والمتعيّن فيه أوجه:
الأول: أنه يجوز التيمم، وهو مذهب أبي حنيفة.
والثاني: أنه لا يجوز فإنْ كانت الجراحة في بعض جسده دون بعض، غسل ما لا ضرر عليه وتيمّم، ولا يجزيه أحدهما دون الآخر، وقال أبو حنيفة: إذا كان أكثر بدنه لزمه الوضوء واستعمال الماء، ولم يُجزِهِ معه التيمم ولا دونه، وإن كان أكثر بدنه جريحًا يسقط عنه فرض الوضوء والغسل ويجزيه التيمم في الجميع.
قال: (ولا يجوز الجمع بين استعمال الماء في بعض الأعضاء والتيمم في بعضها)، وكذلك لو وجد الجُنب أو المحدث من الماء ما لا يسع المحدث لوضوئه، ولا الجُنب لأغساله، وللشافعي فيه قولان:
أحدهما: أنه يسقط فرض استعماله الماء ويكفيه التيمم، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والمزني.
والقول الثاني: يلزمه استعمال القدر الذي وجده، والتيمم كما حُدّثته، وإن كان جُنبًا غسل به أي أعضائه شاء ثم تيمّم على الوجه واليدين، وإن كان محدثًا غسل وجهه ثم يديه على الترتيب ثم تيمّم لما لم يغسل من أعضاء الوضوء، حتى لو غسل جميع أعضاء وضوئه وبقيت لمعة من رجله لم يصبها ماء فإنه يتيمّم لها.
وإن انكسر بعض أعضائه فجبرها، فإنه لا يعدو في الجبائر موضع الكسر، ولا يضعها إلاّ على وضوء كالخفين، فإن وضعها على الطهارة فله أن يمسح على الجبيرة ما دام العذر باقيًا ثم هل يلزمه إعادة الصلوات التي صلاّها بالمسح على الجبائر أم لا؟
فيه قولان:
أحدهما: عليه الإعادة.
والثاني: لا إعادة عليه، وهو اختيار المزني، والدليل عليه ما روى زيد بن علي عن أبيه عن جده أن حزمًا انكسر إحدى زنديه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسح على الجبائر، قال الشافعي: إن صح حديث عليّ قلت به، وهذا مما استخير الله فيه. وإن وضعها على غير الطهارة وعدا بها إلى غير موضع الكسر ينظر؛ فإن لم يخشَ تلف يديه أو عضو من أعضائه نزعها، وإن خاف على ذلك لم ينزعها، ولكنه يغسل ما يقدر عليه، ويعيد الصلاة إذا قدر على نزعها.
وأمّا السفر فهو أقل ما يقع عليه اسم سفر، طالت أو قصرت؛ لأنّ الله تعالى لم يفرّق بينهما، دليله ما أخبر الشافعي عن ابن عيينة عن ابن عجلان عن نافع عن ابن عمر: إنّه أقبل من الجُرف حتى إذا كان بالمدينة تيمّم فمسح وجهه ويديه وصلّى العصر، ثم دخل المدينة والشمس مرتفعة، فلم يُعد الصلاة، والجرف قريب من المدينة.
والشرط الخامس: النية المكنونة.
وقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} عنى: اقصدوا ترابًا طيبًا، واختلف العلماء في الممسوح به في التيمم على أربعة مذاهب:
قال أبو حنيفة: يجوز التيمم بالأرض ومما كان من جنسها، وإن لم يعلق بيده منها شيء، فأجاز بالكحل والزرنيخ والنورة من الجصّ والحجر المسحوق، بل وحتّى الغبار، وحتى فيما لو ضرب يده على صخرة ملساء فمسح أجزاه، فأمّا إن تيمّم بسحالة الذهب والفضة والصفر والرصاص والنحاس لم يجزه، لأنّه ليس من جنس الأرض.
قال مالك: يجوز بالأرض وبكلِّ ما اتّصل فيها، فأجاز التيمم بأجناس الأرض والشجر، فقال: لو ضرب يده على غيره ثم مسح بها أجزأه.
وقال الأوزاعي والثوري: يجوز بالأرض وبكلِّ ما عليها من الشجر والحجر والمدر وغيرها حتى قالا: لو ضرب يديه على الجمد والثلج أجزاه، واحتجوا بما روى عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة، حتى دخلنا على أبي جهيم الحارث بن الصمة الأنصاري، فقال أبو جهيم: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر الجمل فلقيه رجل فسلّم عليه فلم يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم ردّ عليه.
وذهب الشافعي إلى أن الممسوح به تراب طاهر ذو غبار تعلّق باليد وهو الاختيار لهذا؛ لأن الله عزّ وجلّ قال: {وتيمّموا صعيدًا طيّبا} فالصعيد اسم التراب، والطيب اسم لما ينبت، فأمّا ما لا ينبت من الأرض فليس بطيّب، والدليل عليه قوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ}، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: «جُعلتْ لي الأرض مسجدًا وترابها طهورًا»، فخصّ التراب ذلك، والله أعلم.
{فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا} وقد مضى الكلام في الممسوح به، فأما قدر الممسوح وكيفية التيمم، فاختلف الناس فيه على خمسة مذاهب:
فقال الزهري: تمسح على الوجه واليدين إلى الآباط والمناكب، واحتجّ بما روى عبد الله ابن عتبة عن ابن عباس عن عمار بن ياسر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه كان في سفر ومعه عائشة فضلّ عقدها، فاحتبسوا في طلبه يومًا، قال: فنزلت آية التيمم، فضربوا بأيديهم إلى الأرض، ثم رفعوا أيديهم، ولم يقبضوا من التراب شيئًا، فمسحوا وجوههم وأيديهم إلى المناكب، ثم بطون أيديهم إلى الآباط.
وقال ابن سيرين: ثلاث ضربات: ضربة للوجه، وضربة لليدين، وضربة للمرفقين، وبه قال من الصحابة عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله، ومن التابعين الحسن البصري والشعبي، ومن الفقهاء أبو حنيفة وحنبل ومالك والليث، رضي الله عنهم، واحتجوا بما روى الأعرج عن أبي الصمّة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم تيمّم فمسح وجهه وذراعيه.